وقد ظننت أن الأرض كانت قد توقفت عن
الدوران وقت كنت حبيبي..
وها أنا أشهد جمودها بعدك..
وكأن كل شيء يتوقف بوجودك ورحيلك...
رحلة لم تكن من ضمن تلك الرحل التي
تمض أسابيع تخطط وتجهد نفسك لها..
جاءت كصدمة موت..وكفرحة ولادة..
لم أذكر طوال سنين حياتي أن فعل أحد
ما فعلته لأجلي..
في ليلة استنفذت فيها كل طاقة بقيت
في جسدي ونفسي للحياة..
ركضت كطفل يهرب بخوف..من
ذكرياتي....تاركة اعتيادية الحياة..وأجساد بالكاد يسكنها بشر..
نحو البحر..
ظننت أنه بذاك العمق الذي في روايات
الأطفال..
وأنه قد يحفظ جميع
الأسرار..والأحزان..
ويبقى شغوفا للحياة
بالأمواج..وبلحظات الغضب..رغم أثقاله..
وهناك ركضت..علَه يحفظني في أحشاءه..
وأصبح قصة..لن تعيش يوما أو
اثنين..بل أصبح قصة لن تموت أبدا..
وعندما وصلت..ممتلئة الدمع..وتسيطر
علي رغبة عارمة لإيجاد حياة يحكمها مجانين..
حيث لا عبيد وأسياد فيها..
ولرمل البحر سلمت ذاتي..خائرة
القوى..
راكعة كما في أعمق صلواتي..أردد صوت
بكائي..
وظننت البحر يسمع...!
لكنه القدر..
فقد جاء بهيئة رجل واقفا جانبي مشعلا
سيجارة..
ألقاها وجلس جانبي بكل صمت..
أدركت حينها أنه عطر فنجان القهوة
ذاك..
فبدأ دمعي مشاركته الصمت..وأهدأ..
تكلمنا لوقت طويل في ذاك الليل بلغة
الصمت..
وتحدثت قلوبنا بنفس نبضات تلك
الليلة..
وكأننا عرفنا بعضنا لسنوات..